مجتمع المقاومة في العهد التكنوتروني الجزء الثاني

Publié le par abdouni abdelali

مجتمع المقاومة في العهد التكنوتروني الجزء الثاني

مميزات الرزمة المطلبية المشتركة والمائزة:

واقعا يصعب رسم خط فاصل بين الرزمة المطلبية المشتركة، والرزمية المطلبية المائزة، لأن الطلبات حتى لو تنزلت إلى الحد الإنساني البسيط هي تكون حاملة لتفصيلة مائزة، ما دامت المقاومة جاءت عنوانا للعدالة الاجتماعية، وتجاوز الظلم والحيف.

لكن هذه الصعوبة هي متأتية من جهة ملاك الطلبات لا من جهة موضوعها، وإلا فإنه إن اعتمدنا " موضوع " الطلبات فإنه يتيسر تحديد وفق أي رزمة تندرج، فالطلبات المرتهنة للسياسات العمومية الدولتية تدخل ضمن الرزمة المطلبية المشتركة، وتلك المرتبطة بالسقف المقاوم تظل رزمة مطلبية مائزة، وهذا التحديد يظل أوليا لأن السياسات العمومية قد تنقلب إلى معامل فرملة للإطار التنظيمي المقاوم، مما يجعل حتى الرزمة المطلبية المشتركة في بعض الأحيان ذات أثر مائز، وتقع تحت التصنيف الثاني بالتبعية أو وفق قاعدة الارتداد.

مما يجعل من الرزمات المطلبية تنقسم واقعا إلى رزمة مطلبية مشتركة ورزمة مطلبية مائزة ورزمة مطلبية مائزة ثانوية، اعتمادا على قاعدة " درجة الأثر " على الخط المقاوم غفلا عن ارتباط الرزمات المطلبية بالسياسة الدولتية من عدمها.

ومن هنا تتحقق معضلة أساسية وهي كيفية ضبط المدخلات وتوضيبها وفق خصائصها، مع الحفاظ على مدخلة " الدعم " مرتفعة ومستمرة.

هناك مسلكيتان أساسيتان تسمحان بهكذا عملية، أولاها ما أسماها الفقيه إيستون بالمدخلات الجوانية، أي أن الإطار التنظيمي يعمد إلى استيعاب المقصد الحيوي لبعض المطالب الاجتماعية فيبادر إلى طرحها وخوضها تلقائيا، قبل صيرورتها مطلبا اجتماعيا، لأنها تساعد في رفع منسوب الدعم واستمراريته، كما أنها تساعد في تأسيس وعي حركي تدبيري يتوافق مع المجال الاجتماعي الذي تتحرك فيه.

لكن ما نريده في مفروض البحث، هو أن الإطار التنظيمي يمكنه أن يحيز هذه الآلية في سقف الرزمة المطلبية المائزة الثانوية، من جهة أنها موضوعا تقع تحت سقف الرزمة المطلبية المشتركة ومن جهة أثرها فإنها مرتبطة بخط المقاومة وبالتالي الرزمة المطلبية المائزة، إلا أنه ولاختلاف في منظومات الوعي قد لا يستطيع المواطن العادي استيعاب تعقد أصل المطلب وأثره على المقاومة في نفس الآن، وقد لا يكتشف هكذا رابطة، في حين أن الإطار التنظيمي هو الأقدر على تركيب هكذا قراءة. وبالتالي يظل مهما بالنسبة إليه أن يسابق إلى رسمها كمطالب حيوية يبادر إلى حلحلتها قبل صيرورتها مطلبا اجتماعيا، لأنها تساعده في استباق خطر احتقان اجتماعي مستقبلي وفي نفس الآن يحافظ على منسوب الدعم قائما ومرتفعا في نفس الآن، لأن العضو الاجتماعي سيكتشف بأن الإطار التنظيمي يحس به ويحس برغباته ويفقه مكنوناته، مما يجعل من التمثيلية مندكة بين طرفي العلاقة على أساس اليقين الموضوعي.

أما المسلكية الثانية وهي الأعمق أثرا فتتأتى في رسم حديات التعايش داخل مجتمع المقاومة، بين إطار المواطنة وإطار العضوية، على أساس اختلاف واقع حتما في آلية الحراك في كليهما.

فإطار المواطنة خلال الألفية الثالثة تحول إلى فضاء اجتماعي مفتوح، وتنازعي، لا يقلق من " بسيكولوجيا " التعولم بقدر ما يراها من كمالات الوجود الإنساني التمدني، مما يؤدي بالتبع إلى توسع شبكة " المطالب الاجتماعية " إلى ما فوق حد الكائن الدولتي، وهو من أخلاقيات الفضاء العمومي التي تهدد كل تمثيلية سياسية لا تتوافق مع هكذا سقف.

بخلاف سقف العضوية الاجتماعية حيث يرتهن الفرد إلى شبكة القيم والثقافة الاجتماعية الراكزة في جغرافيته، ومنها يرسم مطالبه عالما بحدودها ودائرة فعاليتها واقعا، فلا يكون منتجا لإثقال الكاهل المطلبي، لأن تضامنه يكون آليا.

فإميل دوركهايم في مقام بحثه آليات الترابط الاجتماعي بين المجتمع ما قبل الصناعي والصناعي خلص إلى أنه في المجتمع الصناعي يظل العمل الجماعي حصيلة ظروف الشخص المتردية، وهذه ناتجة أيضا عن البون الشاسع بين مستوى التمايز الإجتماعي ومستوى الوعي أو الوجدان العام أو الضمير الجمعي ويرى أن العمل الجماعي هو جواب مباشر نسبيا للتنظيم أو التفكك الإجتماعي في جميع المجتمعات، ( [1] ) بمعنى أن العمل الجماعي يعرف وجودا سواء في الوضع الروتيني أو في الوضع الغير الروتيني، لكن المنبنى النفسي يظل حاضرا بقوة حيث يرى المستضعف بأنه خارج دائرة الإهتمام، بل أن الرؤية العامة مؤسسة على تهميشه بالأولى.

فإن تحرك في الوضع الروتيني فإنه يلعب دورا توطيديا لحركة الأفراد داخل المجال الإجتماعي ويحافظ على القيم العليا المتفق عليها، أما في الوضع الغير الروتيني أي عند اختلال العدل الإجتماعي يختل أيضا تقسيم العمل الذي يشكل أساس التضامن بين النظائر، ويضعف الوجدان والشعور الجمعي، ولا يوجد في المقابل ضمير جمعي جديد، فتظهر حينئذ ما يسميه هو الأنومية اللامعيارية، ويظهر مثل هذا الوضع بصورة خاصة في الظروف الإنتقالية، قبل أن يتشكل وعي جديد مبني على وحدة المصير والتضامن المتبادل ( التضامن العضوي )، بعد زوال الوعي التقليدي المبني على التضامن الآلي. وهكذا فإن الأشكال الغير العادية للعمل الجماعي هي حاصل سخط الأفراد وسعيهم وراء المصالح الآنية، الناتجة عن تلاشي تقسيم العمل الاجتماعي. ( [2] )

  • ظل العولمة التي " تقود تدريجيا إلى تعميق الترابط العضوي على حساب الترابط الآلي، وإلا كيف يمكن لنا أن نفسر تواري التباين اللغوي والمذهبي والقومي في أوروبا بشكل واضح رغم العمق التأريخ له لصالح ترابط عضوي يتطور تدريجيا عبر آليات الإتحاد الأوروبي، " ( [3] ) يظل التخوف قائما ويحتاج إلى تعاطي جدي مع المتحولات الاجتماعية اللبنانية ما دامت القاعدة العميقة للعولمة هي أنها تنحو نحو تقليص الدور الآلي في المجتمعات ونحو مزيد من العضوية " بناء على ما سبق فإن فرضيتنا في هذه الدراسة هي: هي كلما تزايدت الروابط العضوية بين الدول والمجتمعات العربية مع الدول والمجتمعات غير العربية كلما تراخت الروابط الآلية بين العرب ليفتح ذلك مجالا أوسع للتفكك والذوبان في أنساق غير عربية. ". ( [4] )

فعندما اعتمد الباحث وليد عبد الحي مقياس كيرني أو مقياس كوف لدراسة درجة العولمة في بعض الدول، اكتشف بأن لبنان رفقة عشرة دول عربية تقع ضمن الدول " متوسطة العولمة " ( [5] ) وجنبة العولمة السياسية هي الأكثر تأثيرا عن غيرها من العولمات الاقتصادية والاجتماعية التي تظل ضعيفة مبدئيا، إلا أن لبنان رغم ذلك وفق مقياس كيرني تحتل الترتيب 32 دوليا فيما يتعلق بالعولمة الاجتماعية، مع لحاظ أن الأساس المعتمد وفق هذا المقياس فيما يتعلق بالعولمة الاجتماعية هو مؤشرات الاتصال الشخصي الذي يوزن بأربع نقاط موزعة على المؤشرات الفرعية التالية: الاتصال الهاتفي ( نقطتان )، السفر إلى الخارج والسياحة الأجنبية ( نقطة )، وتحويلات العاملين في الخارج ( نقطة ).

ومؤشرات التيكنولوجيا ولها أربع نقاط موزعة على المؤشرات الفرعية التالية: عدد مستخدمي الأنترنت ( نقطتان )، حاضنات الأنترنت ( نقطة ) وخادمات الأنترنت ( نطقة واحدة ). ( [6] )

أما وفق مقياس كوف الذي يجعل للعولمة الاجتماعية مؤشرا يصل إلى 39% تنقسم إلى ثلاث فروع: الاتصال الشخصي وتدفق المعلومات والتقارب الثقافي، فإن لبنان تقع في الترتيب 41 عالميا، ( [7] ) متقدمة بذلك عن غيرها من الدول العربية.

وهذه المؤشرات رغم أنها تنبني على معطيات ربما لا تفيد كثيرا في فحص درجة التعولم في المجتمعات، إلا أنها تضعنا أمام حقيقة درجة الانفتاح على العالم وفق سهولة التنقل وحركة المعلومات من وإلى، والتي تحمل متغيرات أساسية للمجتمعات المعنية، وحيث إن العولمة كما أكد الباحث وعن حق بأنها تؤدي إلى تفتت المعامل الآلي في الحراك الاجتماعي لفائدة البعد العضوي كما حدده السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركهايم، يجعلنا نعود إلى مجتمع المقاومة بكثير من التحديات التي يعيشها الآن وهنا.

ذلك أن مجتمع المقاومة بما هو مجتمع مركب مزيج بين السقفين، لأنه إن تنزلنا إلى فيزياء هذا المجتمع نكتشف تواجد كلتا الثقافتين جنبا إلى جنب، وتلملم الصفتين في نفس الآن، فإنه يقع على عاتق الإطار التنظيمي بناء وعي اجتماعي جديد مركب من نفس السنخية، موضحا بأنه على مستوى المواطنة هو إطار تمثيلي سياسي إلى جوار باقي التمثيليات السياسية المتواجدة، وعلى مستوى العضوية هو إطار تمثيلي حضاري قادر على تدبير المطالب الواقعة تحت سقفه دون رجوع إلى مؤثرات خارجية سياسية.

فخلق الوعي التحتي الاجتماعي هو الضمانة الأساسية والنهائية للمحافظة على دائرة الدعم واستمرارية فكرة المقاومة بوصفها لحمة حضارية تقف في وجه التمدد العولمي، لكن بخلفية عولمية لا تأصيل محلي وحسب، ما دامت هي طريق مفتوح في جميع الاتجاهات وليست حكرا على جهة دون أخرى.

 

 

[1] - مسعود أسد اللهي: الإسلاميون في مجتمع تعددي، ترجمة دلال عباس، عن الدار العربية للعلوم ومركز الإستشارات والبحوث، سنة 2004، الصفحتان 56 و 57.

[2] - مسعود أسد اللهي: ن.م الصفحة 58.

[3] ـ وليد عبد الحي: انعكاسات العولمة على الوطن العربي، عن الدار العربية للعلوم ناشرون، سنة 2011، الصفحة 14.

[4] ـ وليد عبد الحي: ن.م الصفحة 15.

[5] ـ وليد عبد الحي: ن.م الصفحة 28.

[6] ـ وليد عبد الحي: ن.م الصفحة 19.

[7] ـ وليد عبد الحي: ن.م الصفحة 26.

[8] - Zbigniew Brzezinski: between two ages, America's Role in the Technetronic Era, THE VIKING PRESS NEW YORK, 1970, P: 9. “The paradox of our time is that humanity is becoming simultaneously more unified and more fragmented. That is the principal thrust of contemporary change. Time and space have become so compressed that global politics manifest a tendency toward larger, more interwoven forms of cooperation as well as toward the dissolution of established institutional and ideological loyalties. Humanity is becoming more integral and intimate even as the differences in the condition of the separate societies are widening. Under these circumstances proximity, instead of promoting unity, gives rise to tensions prompted by a new sense of global congestion.”

 

[9] - نقصد بالطبقة الاجتماعية الكلية هو عين المجتمع الذي يعلو سابقه درجة، والعلو المقصود هو علو مساحة لا علو قدر، فلسنا رائين إلى المفهوم الكلاسيكي للطبقات الاجتماعية، وبهذا وجب التنويه.

[10] - ذلك أن هذا التنظيم يكون مضطرا إلى بناء شبكة توافقات مع غيره من التمثلات السياسية، والتي تكون قريبة من خطه التحصيني، دون أن تكون صاحبة مبادرة في المقاومة بالضرورة.

[11] ـ جوزيف س ناي ( الإبن ): مفارقة القوة الأمريكية ـ لماذا لا تستطيع القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم أن تنفرد في ممارسة قوتها ؟ ترجمة محمد توفيق البجيرمي، مكتبة العبيكان، سنة 2003، الصفحة 31 و 32.

[12] ـ جوزيف س ناي: القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية، ترجمة محمد توفيق البجيرمي، الطبعة الأولى سنة 2007 دار العبيكان الصفحة 13.

[13] ـ جوزيف س ناي: م.س الصفحة 32.

Joseph S. Nye : u.s power and strategy after Iraq, foreign affairs, 1 July 2003.

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article